الجمعة، 10 سبتمبر 2010

لماذا تم عزل البابا ديسقورس (1)


كنت أتحدث مع أحد أصدقائى الكاثوليك حول طبيعة السيد المسيح ، فقلتُ له أن البابا اثناسيوس الرسولى و البابا كيرلس عمود الدين و المائتين أسقف المجتمعين فى أفسس نادوا جميعاً بطبيعة واحدة لله المتجسد ، فرد على قائلاً ( يا عزيزى هناك أكثر من خمسمائة 500 أسقف اجتمعوا فى خلقيدونية واقروا جميعاً أن البابا ديسقورس بتاعكم هرطوقى وقاموا بحرمانه ، وبعد ده جاى تقولى أنك بتنادى بفكر الآباء !!! ) كان كلامه خطيراً ، وكان لابد من البحث عن مدى صحته .....


المهم بعد انقضاء العديد من الشهور وأنا أبحث عن حقيقة عزل البابا ديسقوس و اتهامه بالهرطقة فى مجمع خلقيدونية ، فوجئت بأن البابا لم يُعزل لأنه هرطوقى وإنما لأن بابا روما والسلطة كانوا ضده وهذا ما سأثبته فى هذا البحث الصغير .....

بدأت فعاليات مجمع خلقيدونية فى 8 أكتوبر عام 451 بحضور أكثر من 500 أسقف من جميع أرجاء المسكونة وقدمت فى هذه الجلسة التماس من يوسابيوس الأسقف المعزول من قبل مجمع أفسس الذى رأسه البابا ديسقورس فرأى ممثلو الامبراطور ومعهم بعض الآباء الموالين لبابا روما أن قرارات مجمع أفسس الثانى خاطئة ولذلك قرر ممثلو الامبراطور عزل الاساقفة المسئولين عن هذا المجمع والذى كان عددهم ستة أساقفة وكان من بينهم البابا ديسقوس ، ثم عُقدت الجلسة الثانية فى 10 أكتوبر من ذات العام و قرر الآباء المجتمعين وممثلو الامبراطور أن يتوقف المجمع لمدة خمسة أيام ، ولكن هناك أمر عجيب يحدث قبل أن تنتهى مدة التوقف ، ففى يوم 13 أكتوبر اجتمع 204 أسقف ـ أقل من النصف ـ فى مزار مجاور لكنيسة القديسة أوفيمية ـ التى تنعقد فيها جلسات المجمع الرسمية ـ وبدون حضور ممثلى الامبراطور يقومون بعقد جلسة ( سرية ) ويعزلون فيها البابا ديسقورس ويقومون بحرمانه ، فما هو السبب الرئيسى لذلك ؟؟

يقول الأب اليونانى رومانيدس ( لقد حُسب ديسقورس أرثوذكسياً تماماً فى إيمانه فى نظر بعض الآياء القادة فى مجمع خلقيدونية مثل أولئك الذين مثلوا أناتوليس بطريرك القسطنطينية )
+ القمص تادرس يعقوب ملطى: طبيعة المسيح ـ ص 15


ولكن ما الذى قاله بالضبط بطريرك القسطنطينية فى مجمع خلقيدونية ؟؟؟؟

لقد تحدث أناتوليس بطريرك القسطنطينية عن عزل البابا ديسقورس ثلاثة مرات :

المرة الأولى فى يوم 13 أكتوبر ، فبعد تأييده لمندوبى روما علق قائلاً أنه ينبغى معاقبة البابا ديسقورس لأنه ازدرى بالاجتماع
+ الأب ف. سي. صموئيل: مجمع خلقيدونية ـ إعادة فحص ـ ص 141 : 142

المرة الثانية فقد جاء فى كلماته التى ألقاها فى جلسة 22 أكتوبر ما نصه ( ولم يكن عزل البابا ديسقورس بسبب أى أمر يتصل بالايمان ، لكن لأنه حرم السيد رئيس الأساقفة ليو ، و لأنه لم يستجب لاستدعاءات المجمع الثلاثة ، ولهذا السبب تم عزله )
+ الأب ف. سي. صموئيل: مرجع سابق ـ هامش ص 131

المرة الثالثة كانت فى خطابه إلى ليو بابا روما بعد مجمع خلقيدونية والذى ذكر فيه أن البابا ديسقورس قد أدين من أجل سلام الكنيسة ، ويعلق الأب ف. سي. صموئيل على هذه الجملة قائلاً ( وهذه الجملة الأخيرة لأناتوليوس هى فى غاية الأهمية ، لأنها تُظهر كيف وافق بطريرك القسطنطينية ـ ومن الممكن أن يكون هناك رجال أخرون مثله ـ على إدانة البابا ديسقورس ، الذى يعتبره لا هرطوقى ولا شخص مدان شرعياً بأية تهمة أخرى ، وقد يكونوا فعلوا ذلك إزاء سياسة إمبراطورية لتوحيد الكنيسة ، والسلام فى الكنيسة فى ذلك الوقت كان مرتبطاً تماماً بقبول طومس ليو )
+ الأب ف. سي. صموئيل: مرجع سابق ـ ص 142

ولم يكن البطريرك القسطنطينى فقط هو الذى أعلن أن البابا ديسقورس لم يخطأ فى الايمان بل أيضاً أيد هذا الأمر القيصر يوستينيان فى مرسومه الذى أقره مجمعهم الخامس سنة 553 م ، إذ ورد فيه ( إن ديسقورس لم يخطئ بشئ فى أمر الايمان )
+ القمص تادرس يعقوب ملطى: نظرة شاملة لعلم الباترولوجى فى الستة قرون الأولى ـ الطبعة الأولى ( فبراير 2008 ) ـ ص 107

وبعيداُ عن شهادة القدماء فهوذا المؤرخ والأسقف الكاثوليكى هيفيليه يقول فى كتابه " تاريخ المجامع " ما نصه ( إن القرار المجمعى الذى صدر ضد ديسقورس لم يذكر شيئاً عن ابتداعه فى الدين ، وأن الحكم الذى وقعه عليه نواب البابا لم يرد به شئ عن ذلك الابتداع )
+ القمص كيرلس الأنطونى: عصر المجامع ـ ص 210


إذاً مما سبق يتضح لنا أن حكم عزل البابا ديسقورس لم يكن حكماً قانونياً سليماً وذلك للأسباب الآتية :

1ـ لأن الجلسة التى صدر فيها الحكم لم تكن جلسة رسمية وذلك بسبب :

* عدد الأساقفة الحاضرين كانوا أقل من النصف

* لم يحضر ممثلوا الامبراطور الجلسة ( بل لم يعرفوا عنها إلا فى يوم 17 أكتوبر )

* عُقدت الجلسة فى مكان غير المكان الرسمى لعقد الجلسات ( كنيسة القديسة أوفيمية )

* عُقدت الجلسة فى غير الميعاد المتفق عليه فى جلسة 10 أكتوبر

2ـ تم عزل البابا لأسباب لا تتعلق بالايمان وذلك بشهادة أحد الأساقفة المشاركين فى ذلك الجلسة وهو الأسقف أناتوليوس بطريرك القسطنطينية

3ـ أن إيمان البابا ديسقورس هو نفسه إيمان الآباء اثناسيوس وكيرلس والمائتين المجتمعين فى افسس ، أما عن اتهامه بالأوطاخية فيكفى أن أكتب لكم ما قاله فى مجمع خلقيدونية ( لسنا نقول بالاختلاط ولا بالامتزاج ولا بالاستحالة . من يقل بالاختلاط أو التغيير أو الامتزاج فليكن أناثيما )
+ القمص تادرس يعقوب ملطى: مرجع سابق ـ ص 103

4ـ أن التهم الثلاثة التى وجهت إلى البابا ديسقورس ثُبت بطلانها
+ راجع الأب ف. سي. صموئيل: مرجع سابق ـ ص 139


انتظروا الجزء الثانى من البحث حيث سأتناول الاتهامات التى وجهت للبابا ديسقورس وسأناقش مدى صحتها ...

أذكرونى فى صلواتكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق