الجمعة، 23 سبتمبر 2016

اللاهوت الأنثوي: رؤية لقضية تناول المرأة الحائض


لتحميل الكتاب (اضغط هنا)

مقدمة

اللاهوت الأنثويّ هو حركة تأسست لتأكيد مساواة المرأة بالرجل في الروحيات والاجتماعيات والقدرة على القيادة مِن منظور مسيحيّ، ورفض أي تمييز ضد المرأة على أساس دينيّ. وينتقد اللاهوت الأنثوي تلك الملامح الذكورية للدين مثل حصر اللغة في الحديث عن الله في تعبيرات ذكورية، وحصر القيادات الكنسية على الذكور وهكذا. بل نجد مَن أنحى بلائمة التميير العنصري ضد المرأة على العقائد المسيحية مثل الناشطة الحقوقية الأمريكية Matilda Joslyn Gage في كتابها المنشور عام 1893 المعنون بـ «المرأة، الكنيسة والدولة»[1].

في الحقيقة إن العهد الجديد كان واضحًا في نبذ التمييز العنصري على أساس الجنس، فنجد ق. بولس الرسول يؤكد أنه ليس ثمّة تمييز أو فرق بين ذكر وأنثى في المسيح: ﴿لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.﴾ (غلاطية 28:3) لذلك نجد اكليمندس السكندريّ يؤكد تساوي الرجل والمرأة على المستوى الروحي في أكثر مِن موضع في كتاباته، فيقول: ”إننا نعترف أن نفس الطبيعة تكون في كلا الجنسين وبالتالي يكون لهما نفس القيمة الروحية.“ (strom., IV, 58, 4)[2] وكذلك ق. كيرلس السكندريّ حيث يقول: ”«ويتنبأ بنوكم وبناتكم» هذا يعلن عمومية نعمة الله والمساواة التامة مِن جهة هذا الأمر، لأن جنس الأنثى هو في عيني الله ليس شيئًا يمكن طرحه جانبًا طالما هو ناشط في عمل مشيئة الله ويختار أن يكون حكيمًا.“[3] ويقول أيضًا: ”أخبرني، هل الناموس أمر أن تُرفض المرأة مِن البركة باعتبارها جنسًا أنثويًا؟ نحن لا نقول بهذا أبدًا، فإن جنس الأنثى تقدس بالتمام معنا؛ والحقيقة هي أن هذه الأمور كانت أمثلة وظلالاً، فالناموس عندما قال: «الجنس المقدس» كان يقصد بفطنة هؤلاء الذين سيصيرون مقدسين في المسيح، وفي المسيح يسوع ليس رجلٌ وامرأة بعد، بل نصير كلنا مِن واحد بقدر ما نحن نتناول معًا مِن الخبز الواحد.“[4]

في الاقتباس الآخير يربط ق. كيرلس السكندريّ بين مساواة الرجل والمرأة في المسيح وسر الافخارستيا. فكيف يمكن أن نمنع المرأة مِن الاقتراب مِن سر الافخارستيا لأسباب فسيولوجية لا إرادة لها فيها ؟! ألا يشجع هذا هؤلاء الذين يلصقون بالكنيسة تهمة التمييز العنصري ضد المرأة؟!  فمِن بين تلك القضايا التي يُستدل بها على المكانة الدونية للمرأة في الكنيسة المسيحيّة قضية تناول المرأة الحائض أو النفساء.

مؤخرًا اختتمت قراءة كتاب «المرأة والتناول» للراهب يوئيل المقاري. الكتاب مِن إصدار دير القديس الأنبا مقار، وقد نُشرت الطبعة الأولى مِنه عام 2016م، ويقع في ثماني وثمانين صفحةً. 

الكتاب رغم مناقشته قضية هامة إلا أنه على غير المتوقع أبعد ما يكون عن المنهج الأكاديميّ؛ فهو أقرب للمذكرات الدراسية أو التجميعات الطلابية عن كونه بحثًا أو كتابًا ! فهو عبارة عن تجميعٍ لآراء المعاصرين والغابرين.
إلا أنّ الخدمة الجليلة التي قدمها ذلك الكتاب هي تلك الحالة مِن النقاش والجدل التي وُجدت داخل المجتمع القبطي. فسرعان ما نشر أحد أعضاء رابطة تُعرف بـ «حماة الإيمان» ردًا على الكتاب يُدعى مينا أسعد كامل، وقد جاء رده ضعيف البيّنة، لا يخلو مِن اعتساف. لذلك وجدنا أنه مِن الضرورةِ أن نكتب تعليقًا على ذاك الرد الذي نُشر عليه، وليس هدفنا مِن هذا التعليق الدفاع عن الراهب المذكور وعن كتابه بل مناقشة تلك القضية التي تُثار بين فينة وأخرى.

نشرتُ أولاً تعليقنا هذا على مدونتي الإلكترونية[5]، وقد تجاوز عدد القراء الألفين وسبعمائة قارئ في الأربعة أيام الأولى مِن تاريخ نشره، وقد امتدح البحث العديد مِن الباحثين اللاهوتيين الذين اطلعوا عليه وفحصوه. هنا وصلتني دعوة بتحويل البحث إلى كتاب، لكن الدعوة شملت طلبين هما: 1) أن أضيف إلى البحث رؤيتي اللاهوتية لتلك القضية، وقد حاولنا على قدر طاقتنا تَبْيين رؤيتنا اللاهوتية في تلك القضية بين ثنايا الكتاب. 2) أن أغير نمط الكتابة الحوارية، وأن أجعل الكتاب عبارة عن بحث موضوعي لا ردًا تحليليًا على ادعاءات المعارضين. إلا أنني فضلت الإبقاء على نمط الكتابة الحوارية لما فيه مِن مميزات، وهو أسلوب انتهجه آباء الكنيسة الأولين مثل ق. البابا كيرلس السكندري في كتابه «حوار حول الثالوث». 

عامةً فإن الكتاب خرج على عجل، ومِن ثمَّ فليعذرني القارئ على أية أخطاء قد يجدها سواء كانت مطبعية أو علمية.

صموئيل طلعت أيوب
7/7/2016


[1] Matilda Joslyn Gage, Women, Church and State (New York: The Truth Seeker Company, 1893).    
[2] الأب متى المسكين، المرأة حقوقها وواجباتها (وادي النطرون: دير القديس أنبا مقار، ط1، 1982م)، ص 55
[3] الأب متى المسكين، المرأة حقوقها وواجباتها، ص 87
[4] الأب متى المسكين، المرأة حقوقها وواجباتها، ص ص 86-87

الأربعاء، 22 يونيو 2016

المرأة والتناول: نقد النقد


مقدمة
اختتمت مؤخرًا قراءة كتاب «المرأة والتناول» للراهب يوئيل المقاري. الكتاب مِن إصدار دير القديس الأنبا مقار، وقد نُشرت الطبعة الأولى مِنه عام 2016م، ويقع في ثماني وثمانين صفحةً.

الكتاب رغم مناقشته قضية هامة إلا أنه على غير المتوقع أبعد ما يكون عن المنهج الأكاديميّ؛ فهو أقرب للمذكرات الدراسية أو التجميعات الطلابية عن كونه بحثًا أو كتابًا ! فهو عبارة عن تجميعٍ لآراء المعاصرين والغابرين.

إلا أنّ الخدمة الجليلة التي قدمها ذلك الكتاب هي تلك الحالة مِن النقاش والجدل التي وُجدت داخل المجتمع القبطي. فسرعان ما نشر أحد أعضاء رابطة تُعرف بـ «حماة الإيمان» ردًا على الكتاب يُدعى مينا أسعد كامل، وقد جاء رده ضعيف البيّنة، لا يخلو مِن اعتساف.

لذلك وجدنا أنه مِن الضرورةِ أن نكتب تعليقًا على ذاك الرد الذي نُشر عليه، وليس هدفنا مِن هذا التعليق الدفاع عن الراهب المذكور وعن كتابه بل مناقشة تلك القضية التي تُثار بين فينة وأخرى، على أن يتبع تعليقنا هذا بحثًا عن رؤيتنا اللاهوتية في تلك القضية.

تمهيد

نشر مينا أسعد كامل بحثًا يورد فيه الأخطاء التي اقترفها الراهب يوئيل المقاري في كتابه المومأ إليه، يقع بحثه في أربعة وأربعين صفحةً. وقد جاهد في بحثه ليثبت خطأ الراهب، لكن لسوء طالعه أننا اطلعنا على بحثه، وتبيّن لنا سقاطاته المتكررة؛ فعلى الرغم أن الكتاب بالأساس يناقش قضية هامة ألا وهي تناول المرأة الحائض إلا أن صاحب الرد قد خصص أربع صفحات كاملات للرد على عبارة عابرة للمطران جورج خضر عن وراثة الخطية الجدَّية ![1] بل ازداد تعجبنا حينما وضع مِن بين أخطاء المطران جورج خضر قوله أن دم المسيح ليس دمًا بيولوجيًا يختلط بدمنا ! فهل يؤمن مدرس اللاهوت الدفاعي بالتحول البيولوجيّ للخبز والخمر؟![2]

إلا أن النقد الرئيسي الذي لا بد أن يوجه لصاحب الرد هو تصويره للقارئ أن الرأي الجامع المانع للأباء الأولين هو عدم تناول المرأة الحائض، وهو أمرٌ غير صحيح، فقد كانت آراء الأباء منقسمة بين جائزٍ ومانعٍ لتناول المرأة الحائض؛ فالبابا أثناسيوس الرسولي والدسقولية أجازا تناول المرأة الحائض بينما في الجهة المقابلة نجد البابا ديونسيوس والبابا تيموثاوس الأول قد منعوا الأمر. فأي الرأيين نقبل وكلاهما أبائيان؟

إن ما كتبناه ليس الغرض مِنه الدفاع عن أحد أو الهجوم على أحد آخر، بل إن غرضنا هو تبيّان منهج هؤلاء الذين يدعون أنهم حماة الإيمان وشارحيه، ومنهجهم أبعد ما يكون عن روح الأكاديمية وأخلاقياتهم أبعد ما تكون عن روح المسيحية. فيحزننا ما نجده في مطاوي كلامهم مِن إتهامات يكيلونها بلا سند، وسبابٍ يطلقونه بلا خجل، فنجدهم يصفون كلام هذه بـ ”الهراء“ وأفكار هذا بـ ”الانحرافات العقائدية“. وعادة ما نستشف مِن وراء ألفاظهم نغمة سخرية وتهكم لا تليق بمَن يناقش أسرار الألوهة، ويدعي أنه يحاول أن يمحي الذنب بالتعليم، فأي تعليم في هذا المنهج وفي تلك الأخلاقيات !

ملحوظة: كل ما وضعناه ما بين معكوفتين [...] في الاقتباسات النصية هي اضافات مِنا للتوضيح وليست مِن متن النصوص المقتبسة. وقد اختصرنا لقب «القديس» إلى «ق.» فوجب التنويه. 

لتحميل البحث (اضغط هنا



[1] مينا أسعد كامل، أخطاء كتاب المرأة والتناول، ص ص 13 - 16
[2] راجع ما كتبناه تحت عنوان «متفرقات» ص ص 27 - 28