السبت، 10 يوليو 2021

قِرَاءةٌ نَقْدِيَّةٌ لِلطَّرْحِ الْعَرَبِيِّ عَنِ التَّثْلِيثِ: جورج بباوي أَنَمُوذَجًا

 

هذا هو التفريغ النصيّ لمحاضرتي في المؤتمر التاسع والعشرين لأصدقاء التراث العربي المسيحيّ المنعقد في كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة، يوم الجمعة الموافق 9 يوليو لعام 2021م. 


لتحميل النص (اضغط هنا)


الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

بين التراث النابض والتعصب الرابض


لا زالت صفحة «رابطة حماة الإيمان» تتحفنا بالأعاجيب، فقد أرسل لي أحدُ الأصدقاء منذ قليل منشورًا (Post) لهم يتحدثون فيه عن التراث العربي المسيحيّ. ينتقدون فيه هذا المجال البحثي الهام فيقول صاحب المقال: ”لا نستطيع أن تسمع رأي محدد من الباحثين أو تعريف محدد لهذا التراث فهل المقصود به التعاليم اللاهوتية المسيحية التي دونت باللغة العربية في القرون الوسطى بعد انقطاع اللسان العربي لأسباب عديدة ام ان هذا التراث هو تراث أصيل كتب باللغة العربية منذ البدء على يد لاهوتيين عرب؟“

إنَّه لو كلف نفسه عناء قراءة السطر الأول مِن مقدمة دراستي المنشورة عام 2015م (أي مِن أربع سنوات) لوجد فيها ما يروي ظمأه، ولرحمنا مِن هذا المنشور العجيب. فقد كتبت: ”اللاهوت العربيّ هو ذاك الذي صاغه المسيحيون بالعربيةِ لغةً وثقافةً.“[1] 

ونجد ذات التعريف في العديد مِن الكتب والأبحاث المتخصصة في التراث العربي المسيحيّ، نذكر مِنها على سبيل المثال لا الحصر:

- الأب سهيل قاشا، تاريخ التراث العربي المسيحيّ (جونية: منشورات الرسل، 2003م)،  ص ص 18-19

وسبحان الله، فقد افتتح حديثه بتساؤل صاحب المقال! حيث كتب: ”قد يتساءل البعض، ما المقصود بالتراث العربي المسيحيّ القديم؟“ ثُمَّ كَتَبَ تعريفًا مُفَصَّلاً شَغَلَ صفحتين.

- Fr. Gianmaria Gianazza, “Arabic Christian Heritage and its characteristics”, in: Al-Liqaʾ Journal, 2014; 42: 5-35   

ثُمَّ يكتب صاحب المقال أمرًا عجيبًا فيقول:

”بالتأكيد هناك اباء أقباط كتبوا باللغة العربية لا احد ينكر ذلك، وهناك معلمين وباحثين في تاريخ الكنيسة دونوا لنا كتابات كثيرة باللغة العربية ولكن المشكلة في المسمى التراث العربي المسيحي فهذه الكتابات او المخطوطات ليست تراث عربي لكنها تراث مسيحي قبطي كتبه أقباط تحدثوا العربية نقلوا فيه تراث مسيحي يخص الكنيسة القبطية لا علاقة له من قريب او بعيد بأي تراث عربي سواء أدبي او تاريخي او ثقافي لذلك فالمسمى هو المشكلة لان المسمى به نوع من الخلط وعدم الدقة وربما التزييف !!!“

وهنا يتبادر إلى ذهننا سؤال: هل أثناسيوس الرسوليّ وكيرلس السكندري، وهم بطاركة للكرسي السكندري الرسولي (الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة) يُصَنَّفُون أنَّهم آباء يونانيون أم آباء أقباط؟ تأتي الإجابة على لسان علماء الباترولوجي أنَّ الآباء يُصَنَّفُون حسب لغة كتاباتهم فيُقال آباء يونانيون أي كتبوا باليونانيّة مثل يوستينوس الشهيد، إيريناؤس، أثناسيوس الرسولي. وآباء لاتين أي كتبوا باللاتينية مثل: ترتليان، كبريانوس، هيلاري أسقف بواتييه. وآباء سريان أي كتبوا بالسريانيّة مثل: مار أفرام السريانيّ، أفراهاط. آباء أقباط أي كتبوا بالقبطيّة مثل: الأنبا شنودة رئيس المتوحدين.

ثُمَّ يختتم صاحب المقال مقاله بقوله: ”فلنطلق عليها دراسات في التعاليم المسيحية التي كتبت باللغة العربية او التراث القبطي المسيحي الذي دون باللغة العربية , او التراث المسيحي المدون باللغة العربية او اي مسمى صحيح يعبر عن حقيقة هذه الدراسات وهذا التراث الذي لا هو عربي ولا كتبه عرب هو فقط تراث مسيحي سواء قبطي او سرياني او يوناني نقل وتُرجم الي اللغة العربية !“

فهل حقًا ما قدمه اللاهوتيون العرب هو مجرد ترجمة للاهوت اليونانيّ أو القبطيّ أو السريانيّ؟

لا مراء أنَّ اللاهوتَ اليونانيَّ هو أحد روافد اللاهوت العربيّ، لكن للاهوت العربيّ خصائصه التي تميزه، وأوضح مثال على هذا، الشرح العربيّ لعقيدة التَّوحيد والتَّثليث. إنَّ أهمية دراسة الشرح العربيّ لعقيدة التَّوحيد والتَّثليث ليست قاصرة على فهم الجدل المسيحيّ/الإسلاميّ فقط بل تتجاوز ذلك لفهم اللاهوت العربي المعاصر؛ فلا زال لهذا الشرح العربيّ الوسيط صداه في كنائسنا العربية حتى يومنا هذا، فلا يمكننا أنَّ نفهم الشرح القبطيّ المعاصر لعقيدة الله الواحد الثالوث دونما نقرأ جذوره الممتدة في اللاهوت العربيّ، في أعمال أبي رائطة التكريتيّ، يحيى بن عدي، أبي قرة، عمار البصري، ساويرس بن المقفع، بولس البوشي، وأبي الفضل بن العسال. فاللاهوت القبطي المعاصر هو نتاج تمازج اللاهوت اليونانيّ باللاهوت العربيّ، وليس كما هو مشهور بأنَّه مجرد امتداد للاهوت السكندريّ.

وأنا أعدُّ حاليًا كتابًا كاملاً عن هذا الموضوع بعنوان: «جدليّة التَّوحيد: قراءة معاصرة للاهوت العربيّ الوسيط» سيُنشر العام المقبل إن شاء الله.   

محاضرتي بالمؤتمر 26 لأصدقاء التراث العربيّ المسيحيّ والذي نظمه مركز دراسات مسيحية الشرق الأوسط في فبراير عام 2018م .. 






[1] صموئيل طلعت، ”معضلة التَّوحيد المُطلق: مقاربة معاصرة للاهوت العربي“، في: دورية مدرسة الإسكندرية، العدد 19، 2015م، ص  185
وهي عبارة عن الترجمة العربية لمحاضرتي  في المؤتمر العربي المسيحي الثالث بجامعة الروح القدس في الكسليك ببيروت عام 2015م، والتي نُشرت في:
Samuel Armanious, “The Dilemma of Absolute Monotheism: A contemporary Approach to Arabic Theology”, in: Parole de l' Orient, 2016; 42: 55-77

السبت، 27 أبريل 2019

نقش الناصرة



في الحقيقة، إنّ الأدلة الأثرية على قيامة يسوع محدودة جدًا بالمقارنة مع الأدلة الأثرية المتوفرة لدينا على حادثة الصلب. فمما لا خلاف عليه تاريخيًا هو أنّ يسوع شخصٌ تاريخي، عاش في النصف الأول من القرن الأول الميلادي، بدأ كرازته في الجليل، صُلب على أيدي السلطات الرومانية، وأدعى تلاميذه فيما بعد أنَّه قام مِن بين الأموات، وأنهم رأوه حقيقةً.

وعلى الرغم مِن محدودية الأدلة الأثرية على قيامة يسوع إلا أنَّ دليلين يستحقان حقًا الدراسة هما: نقش الناصرة وكفن المسيح بتورينو. في هذا المقال سأناقش نقش الناصرة نظرًا لقلة ما كُتب عنه بالعربية.

لتحميل الملف (اضغط هنا)


الأحد، 7 يناير 2018

التجسد غير المشروط


لماذا تجسد الله؟

قد يبدو لك عزيزي القارئ أنَّ السؤال بسيطٌ وأنَّ إجابته معروفةٌ؛ فالله الابن قد تجسد كيما يفدي الإنسان مِن رباطات الخطيّةِ ويخلصه مِن الفساد الذي تسلل إلى طبيعته بعد السقوط.  

نعم، تلك هي الإجابة الشائعة بين المؤمنين في كنائسنا، لكن ماذا لو لم يسقط الإنسان، أكان الله حينها سيتجسد؟ أو دعونا نصيغها بشكلٍ آخر: هل التجسد كان مشروطًا بالسقوط والفداء؟


هذا السؤال لم يشغل فِكْر آباء الكنيسة الأولين إلا أنه شغل فِكْر العديد مِن اللاهوتيين بدءً مِن مكسيموس المعترف مرورًا بدانس سكوت وصولاً بغريغوريوس بالاماس وغيرهم. كانت إجابة هؤلاء مُخالفة للفكرة الشائعة، فالتجسد بالنسبة لهم ليس مشروطًا لا بالسقوط ولا بالفداء، فحتى لو لم يسقط الإنسان لكان الله قد تجسد، لأن المعنى الحقيقي للخلاص هو اتحاد الإلهي بالإنساني، وغاية الخلق هو التألُّه، وما كان للإنسان أن يتألَّه إلا بتأنس الإله. 

بالطبع قد يتبادر لذهنك عزيزي القارئ ذلك السؤال المنطقي: وما هي أهمية تلك الدراسة؟ فما كان قد كان، فما الذي يُعنينا إن كان التجسد مستقلاً عن السقوط أم لا؟

إنَّ أهمية تلك الدراسة تكمن في إنها مجرد محاولة لبناء نظام لاهوتيّ غير قائم على قصة السقوط الواردة في سفر التكوين. فهؤلاء الذين يعتقدون بصحة نظرية التطور وبأسطورية قصة الخلق التكوينية لا يكفوا عن طرح السؤال اللاهوتيّ: لماذا الله قد تجسد إنْ لم يكن هناك آدم وحواء مِن الأساس فما بالك بالسقوط؟!

إنني كما ناديت في كتابي «العلم اللاَّ معقول: إشكالية العلاقة بين الدين والعلم» بضرورة التمييز لا الفصل بين الخطابين العلميّ واللاهوتيّ، فالخطاب العلميّ ينصب اهتمامه على إجابة سؤال «كيف؟» بينما الخطاب اللاهوتيّ ينصب اهتمامه على إجابة سؤال «لماذا؟»، وكلا السؤالان يشغلان فكر الإنسانية.

فعلى مدار صفحات الدراسة رأينا أنَّ المسيح، الكلمة المتأنس، هو أصل الخليقة وغايتها، هو السرُ في عمليّة التطور، هو  المرآة الحقيقية لاكتمال الإنسانية، لذلك فإن الإنسانية تتّجه نحوه، تتطّور نحوه وترتقي.

إنَّ التعبير الأنسب مِن السقوط الإنسانيّ هو السَّقطُ الإنسانيّ[1]، أيّ أن الإنسان قد خُلق جنينًا غير مكتمل النمو لكنه يجنح لتحقيق الكمال. فالسقوط الإنساني الذي صوره كاتب سفر التكوين بصورةٍ رمزية في شخصيتي آدم وحواء لم يكن حدثًا تاريخيًا بل واقعًا تعيشه الإنسانية جمعاء عبر تاريخها، فسقوطها هو فشلها لتحقيق الكمال وبلوغ الأبدية بعيدًا عن الله. فقصة السقوط التكوينية ليست قصةً عن ماضي الإنسانية بل عن حاضرها الذي ما كان له أن يتغير دون تجسد الألوهةِ. فسعي الإنسانية نحو الكمال والأبدية ما له أن يتحقق دون شركة الله. فالتجسد؛ اتحاد المخلوق بغير المخلوق، هو مفتاح فِهمنا لفعل الخلق الإلهيّ.

وبهذا نكون قد فهمنا التجسد بمعزل عن السقوط، لكن يَبَقى السؤال: لماذا يموت المسيح إنْ لم يكن آدم قد سقط؟

يمكننا القول بخصوص قضية موت المسيح، أنَّ الله بتأنسه قد عبر هذه الهوة الأنطولوجية بين الخالق والمخلوق، لكن نتاج هذه الهوة (الموت) لم يكن قد عبره بعد بالتجسد، لكن بموته عبر الموت، وانتصر عليه بقيامته. عليّنا أنْ نضع دائمًا صوب أعيننا ذلك المبدأ الآبائي: ما لا يُؤخذ لا يخلص. وهو المبدأ الذي تُرجم ليتورجيًا في ثيؤطوكية الجمعة: هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له. فلو لم يعبر الابن الموت لما أخذنا نحن الحياة.  

الدراسة صغيرة الحجم، فقط عشرين صفحة، والدراسة هي أولى مشاركاتي في مبادرة آليثيا للتعليم الأرثوذكسي، لتحميل الدراسة (اضغط هنا





[1] راجع دراسة: جون إدوارد، ”تكوين التكوين“، في: دورية المبادئ، السنة الأولى، العدد الثاني، ص ص 34-47

الخميس، 1 يونيو 2017

التمييز بين الجوهر والطاقة: تعليقات مختصرة على أبحاث الأنبا بيشوي

استرعى انتباهنا في الآونة الأخيرة قيام الأنبا بيشوي مطران دمياط بنشر بحثين عن التمييز بين الجوهر والطاقة. في كلا البحثين يقدم نيافته نقدًا للفكر اللاهوتي البيزنطي مِن خلال الرد على كتاب بعنوان «غاية الحياة هي التأله» تأليف الأرشمندريت جاورجيوس كابسانيس رئيس دير غريغوريوس بجل آثوس. ونقد نيافته قائم على رفضه لأمرين هما: 1) التأله. 2) النعمة غير المخلوقة.  

في هذه الدراسة المختصرة أناقش تلك القضيتين مِن منظور أبائي وليتورجي. 

لتحميل البحث (اضغط هنا)  

الجمعة، 3 مارس 2017

البَيَانُ في طرح زيدان: قراءة تاريخية مُفَصَّلة في قضية المسجد الأقصى

لتحميل البحث (اضغط هنا)

في إحدى الندوات طرح يوسف زيدان وجهة نظره في قضية مِن أعقد قضايا الشرق الأوسط ألا وهي قضية المسجد الأقصى، حيث رأى أن المسجد الأقصى المذكور في الآية الأولى مِن سورة الإسراء ليس هو المسجد المعروف في القدس، وعاد ليكرر نفس وجهة النظر هذه في برنامج تلفزيوني على قناة CBC المصرية لكن مع إضافة أن المسجد المقصود بآية سورة الإسراء هو مسجد آخر موجود في الجعرانة بالسعودية مستشهدًا في ذلك بالمؤرخ الواقدي.
لم يكن يوسف زيدان المتفرد أو المتقدم بين الباحثين في طرحه هذا، فالمستشرق إجناس جولدتسيهر (1850- 1921م) قد تبنى الرأي القائل بأن المسجد الأقصى قد بناه عبد الملك بن مروان كبديل للكعبة المشرفة، ليصرف الناس عن سماع كلام عبد الله بن الزبير الذي كان على خلاف سياسي معه، وكل ما أُحيك مِن روايات عن قدسية المسجد الأقصى ما هي إلا روايات لُفقت في العهد الأموي لدعم قرار عبد الملك بن مروان. أما مِن المعاصرين فنجد البروفيسور موردخاي كيدار[1] يتبنى ذات الرأي الذي لجولدتسهير مع إضافة أن المسجد الأقصى المذكور في سورة الإسراء هو ذاك المسجد الموجود بالجعرانة في السعودية.

بالطبع البعض سينتقد كلا الاسمين لانتمائهم الديني، فكلاهما يهوديان، وسيتهمون كل مَن يتبنى تلك النظرية بأنه يتبع منهج هؤلاء اليهود الصهاينة على حد تعبيرهم، وبأنه يريد التطبيع مع دولة إسرائيل. لكن الحقيقة بعيدة كل البعد عن ادعاءاتهم، فجولدتسيهر - صاحب النظرية - عاش ومات قبل أن تُؤسس دولة إسرائيل، بل إن مَن نشر بحثًا كاملاً ليناقش نظرية جولدتسهير وينتقدها كان يهوديًا لا مسلمًا، بل وأستاذًا للدراسات الإسلامية بالجامعة العبرية في إسرائيل ألا وهو [2]Shelomo Dov Goitein. فالقضية قضية تاريخية لها تطبيق سياسيّ، لا قضية سياسية لها تطبيق تاريخيّ، لذلك فإن القضية يجب أن تخضع للتحليل والنقد التاريخيّ قبل أن تُناقش في أروقة السياسة.    

ونظرًا لأن الدكتور يوسف زيدان قد أوجز في الطرح، واقتضب في الشرح، حتى بدت النظرية للمستمع ضعيفة البنيان، هزيلة الاحتجاج. لهذا وجدت مِن الضرورة أن أكتب لكي أستفيض في تَبْيين تلك النظرية وحججها.  
وخلاصة قراءتنا هذه للتاريخ أننا لا نستطيع أن نجيب بجزم عن السؤال: ما المقصود بالمسجد الأقصى المذكور في افتتاحية سورة الإسراء؟ فهل هو البيت المعمور الذي بالسماء؟ أم هو المسجد الأقصى الذي بالقدس؟ أم هو المسجد الأقصى الذي بالجعرانة؟



[1] موردخاي كيدار Mordechai Kedar (وُلد عام 1952م): هو محاضر بقسم اللغة العربية في جامعة بار إيلان بإسرائيل. وقد شرح وجهة نظره في فيديو باللغة العربية على قناته على اليوتيوب:
وقد نشر ذلك أيضًا على موقعه الإلكتروني:
[2] Shelomo Dov Goitein, Studies in Islamic History and Institutions (Leiden: Brill, 2010), 135-48

الجمعة، 23 سبتمبر 2016

اللاهوت الأنثوي: رؤية لقضية تناول المرأة الحائض


لتحميل الكتاب (اضغط هنا)

مقدمة

اللاهوت الأنثويّ هو حركة تأسست لتأكيد مساواة المرأة بالرجل في الروحيات والاجتماعيات والقدرة على القيادة مِن منظور مسيحيّ، ورفض أي تمييز ضد المرأة على أساس دينيّ. وينتقد اللاهوت الأنثوي تلك الملامح الذكورية للدين مثل حصر اللغة في الحديث عن الله في تعبيرات ذكورية، وحصر القيادات الكنسية على الذكور وهكذا. بل نجد مَن أنحى بلائمة التميير العنصري ضد المرأة على العقائد المسيحية مثل الناشطة الحقوقية الأمريكية Matilda Joslyn Gage في كتابها المنشور عام 1893 المعنون بـ «المرأة، الكنيسة والدولة»[1].

في الحقيقة إن العهد الجديد كان واضحًا في نبذ التمييز العنصري على أساس الجنس، فنجد ق. بولس الرسول يؤكد أنه ليس ثمّة تمييز أو فرق بين ذكر وأنثى في المسيح: ﴿لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.﴾ (غلاطية 28:3) لذلك نجد اكليمندس السكندريّ يؤكد تساوي الرجل والمرأة على المستوى الروحي في أكثر مِن موضع في كتاباته، فيقول: ”إننا نعترف أن نفس الطبيعة تكون في كلا الجنسين وبالتالي يكون لهما نفس القيمة الروحية.“ (strom., IV, 58, 4)[2] وكذلك ق. كيرلس السكندريّ حيث يقول: ”«ويتنبأ بنوكم وبناتكم» هذا يعلن عمومية نعمة الله والمساواة التامة مِن جهة هذا الأمر، لأن جنس الأنثى هو في عيني الله ليس شيئًا يمكن طرحه جانبًا طالما هو ناشط في عمل مشيئة الله ويختار أن يكون حكيمًا.“[3] ويقول أيضًا: ”أخبرني، هل الناموس أمر أن تُرفض المرأة مِن البركة باعتبارها جنسًا أنثويًا؟ نحن لا نقول بهذا أبدًا، فإن جنس الأنثى تقدس بالتمام معنا؛ والحقيقة هي أن هذه الأمور كانت أمثلة وظلالاً، فالناموس عندما قال: «الجنس المقدس» كان يقصد بفطنة هؤلاء الذين سيصيرون مقدسين في المسيح، وفي المسيح يسوع ليس رجلٌ وامرأة بعد، بل نصير كلنا مِن واحد بقدر ما نحن نتناول معًا مِن الخبز الواحد.“[4]

في الاقتباس الآخير يربط ق. كيرلس السكندريّ بين مساواة الرجل والمرأة في المسيح وسر الافخارستيا. فكيف يمكن أن نمنع المرأة مِن الاقتراب مِن سر الافخارستيا لأسباب فسيولوجية لا إرادة لها فيها ؟! ألا يشجع هذا هؤلاء الذين يلصقون بالكنيسة تهمة التمييز العنصري ضد المرأة؟!  فمِن بين تلك القضايا التي يُستدل بها على المكانة الدونية للمرأة في الكنيسة المسيحيّة قضية تناول المرأة الحائض أو النفساء.

مؤخرًا اختتمت قراءة كتاب «المرأة والتناول» للراهب يوئيل المقاري. الكتاب مِن إصدار دير القديس الأنبا مقار، وقد نُشرت الطبعة الأولى مِنه عام 2016م، ويقع في ثماني وثمانين صفحةً. 

الكتاب رغم مناقشته قضية هامة إلا أنه على غير المتوقع أبعد ما يكون عن المنهج الأكاديميّ؛ فهو أقرب للمذكرات الدراسية أو التجميعات الطلابية عن كونه بحثًا أو كتابًا ! فهو عبارة عن تجميعٍ لآراء المعاصرين والغابرين.
إلا أنّ الخدمة الجليلة التي قدمها ذلك الكتاب هي تلك الحالة مِن النقاش والجدل التي وُجدت داخل المجتمع القبطي. فسرعان ما نشر أحد أعضاء رابطة تُعرف بـ «حماة الإيمان» ردًا على الكتاب يُدعى مينا أسعد كامل، وقد جاء رده ضعيف البيّنة، لا يخلو مِن اعتساف. لذلك وجدنا أنه مِن الضرورةِ أن نكتب تعليقًا على ذاك الرد الذي نُشر عليه، وليس هدفنا مِن هذا التعليق الدفاع عن الراهب المذكور وعن كتابه بل مناقشة تلك القضية التي تُثار بين فينة وأخرى.

نشرتُ أولاً تعليقنا هذا على مدونتي الإلكترونية[5]، وقد تجاوز عدد القراء الألفين وسبعمائة قارئ في الأربعة أيام الأولى مِن تاريخ نشره، وقد امتدح البحث العديد مِن الباحثين اللاهوتيين الذين اطلعوا عليه وفحصوه. هنا وصلتني دعوة بتحويل البحث إلى كتاب، لكن الدعوة شملت طلبين هما: 1) أن أضيف إلى البحث رؤيتي اللاهوتية لتلك القضية، وقد حاولنا على قدر طاقتنا تَبْيين رؤيتنا اللاهوتية في تلك القضية بين ثنايا الكتاب. 2) أن أغير نمط الكتابة الحوارية، وأن أجعل الكتاب عبارة عن بحث موضوعي لا ردًا تحليليًا على ادعاءات المعارضين. إلا أنني فضلت الإبقاء على نمط الكتابة الحوارية لما فيه مِن مميزات، وهو أسلوب انتهجه آباء الكنيسة الأولين مثل ق. البابا كيرلس السكندري في كتابه «حوار حول الثالوث». 

عامةً فإن الكتاب خرج على عجل، ومِن ثمَّ فليعذرني القارئ على أية أخطاء قد يجدها سواء كانت مطبعية أو علمية.

صموئيل طلعت أيوب
7/7/2016


[1] Matilda Joslyn Gage, Women, Church and State (New York: The Truth Seeker Company, 1893).    
[2] الأب متى المسكين، المرأة حقوقها وواجباتها (وادي النطرون: دير القديس أنبا مقار، ط1، 1982م)، ص 55
[3] الأب متى المسكين، المرأة حقوقها وواجباتها، ص 87
[4] الأب متى المسكين، المرأة حقوقها وواجباتها، ص ص 86-87