الجمعة، 30 سبتمبر 2011

ماهية الحقيقة

الحقيقة مطلقة فى ذاتها ، والانسان يمكن أن يصل لها من خلال الحواس ، فكل ما يلمسه الانسان بحواسه هو حقيقة مطلقة (على الرغم من تشكك الامام الغزالى فى الحواس حيث تقدم لنا الحواس بيانات غير دقيقة أحياناً ويضرب لنا مثالاً على ذلك ألا وهو رؤية القمر ، فعلى الرغم من أن القمر يبدو لنا فى حجم الدينار إلا أن العلم يؤكد أنه يساوى ربع حجم الأرض ، وبالتالى فإن الحواس تخدعنا أحياناً ولذلك لا يمكن أن نعتمد عليها فى الوصول إلى الحقيقة المطلقة ، وقد ذهب أيضاً الفيلسوف الفرنسى ديكارت إلى التشكك فى الحواس) لكننا سنعتنق فى هذا المقال الرأى المشهور ألا وهو : أن الحواس هى الطريق للحقيقة المطلقة .
لكن ماذا عما لا يمكن للإنسان لمسه بالحواس؟ قد يكون حقيقة وقد لا يكون ، سأعطى مثالاً على ذلك : هل الله موجود ؟ هناك احتمالين : الله موجود ، الله غير موجود
ولكن أى الاحتمالين يمثل الحقيقة المطلقة ؟ هنا تكمن المشكلة ، لا يستطيع الانسان معرفة الحقيقة المطلقة لكن ليس معنى عدم معرفة الإنسان للحقيقة المُطلقة ، أنها ليست مطلقة ، لأن معرفة الإنسان خاصة بالإنسان ولا تؤثر على حال الحقيقة.
إذاً هل معنى أننا لن نصل إلى الحقيقة المطلقة أننا لن نصل للحقيقة أبداً أى هل لا يمكننا أن نحدد هل الله موجود أم لا ؟
لا ، يمكننا أن نحدد ويمكننا أن نصل لدرجة عالية من الثقة فى الاحتمال الذى سنصل إليه ، نعم لن نصل إلى الحقيقة المطلقة ولكننا سنصل إلى أقرب درجة ممكنة منها ، ولكن كيف سنصل ؟
الدليل وتحليل البيانات هو المنهج الوحيد للوصول إلى أقرب درجة ممكنة من الحقيقة المطقة ، فعلينا أن نجمع البيانات والأدلة ، ثم نقوم بتقييم الأدلة ، ثم نضع كافة الاحتمالات الممكنة ، ثم نبحث عن التفسير الوحيد الذى يفسر هذه الأدلة بأفضل شكل ممكن ، عندها سيكون هذا التفسير على درجة كبيرة من الثقة ، أنا دائماً أحب أن أقول (الحقيقة مُطلقة فى ذاتها ، ولكنها نسبية فى منهجها) فالمناهج التى يستخدمها الملحد فى إثبات عدم وجود الله غير المنهجية التى يستخدمها المؤمن لإثبات وجود الله ، هذا لا يعنى أنه لا يوجد دليل، و لكن الدليل لن يسير طوال الرحلة ، هناك نقطة معينة سيقف معها الدليل ، و سيكمل الإيمان بقية المسيرة.
فالايمان لا يأتى من فراغ أو جهل كما يدعى بعض الملحدين ، ولكنه يأتى بعد مسيرة مع الدليل ، يتوقف فيها الدليل عند محطة يبدأ منها الايمان .

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

كفن تورينو بين مطرقة الحقيقة وسندان التزوير

صورة الكفن

تلك مقالتين عن كفن السيد المسيح الموجود بتورينو بإيطاليا . فى المقالين رد على العديد من الأسئلة التى تثار حول موضوع الكفن المقدس وكذلك رد على بعض الدراسات الحديثة التى أثبتت أن الكفن المقدس ليس هو كفن المسيح بل هو من صنع مزور ينتمي للقرون الوسطى، وعلى الأرجح فنان عبقري واختصاصي في علم التشريح والفيزياء والبصريات مثل ليوناردو دا فنشي، بأمر من أحد المتنفذين مقابل المال.

المقالين من ترجمة وإعداد إدارة شبكة القديس ساروفيم ساروفسكى الأرثوذكسية . المقالين أكثر من رائعين ويستحقا القراءة 


الدراسات وملخص نتائجها 
 
* نسيج الكفن
الباحثون جيلبر رايس ( بلجيكا ) ، جون تايرر ( بريطانيا ) وغبريال فيال ( فرنسا ) وتلخصت نتائج دراساتهم في أنّ الكفن مصنوع من كتّان من المرجّح أنّه كتّان برّي، بحالة جيّدة، ولا يتأثر بالشدّ أو الفرك، ولونه مائل إلى الإصفرار، كلون التبن. في نسيج الكفن بعض ألياف القطن.
استلزم صنع نسيج الكفن نَولاً له أربع دعسات. إنّ طريقة النسج من نوع "السرجة" ذي القطبات المتعرّجة، الخيوط فيه ترسم نسيجًا مصلَّبًا. وهذا يشير إلى أن كلفة صنعه مرتفعة.

* علم التشريح الطبي
أشهر من عمل على الدراسة الطبية والتشريحية لرجل الكفن كان الطبيب الفرنسي بيار باربيه ( 1884 - 1961 ) الجراح في مشفى القديس يوسف في باريس، ونتائج بحثه نشرها في كتاب في خمسينيات القرن العشرين وأهم ما فيها التالي:
غُرزت مسامير اليدين في المعصم، بين عظام الرسغ، وليس في راحة اليد كما تخيلها الرسّامون والاعتقاد الشعبيّ.
إنّ رَجل الكفن إنسان ميت لأنّ تصلّب الجثة rigidity واضح، لكنّه لا يوجد على الكفن أي أثر لاهتراء الجسد، ما يعني أنّ الجسد ترك الكفن قبل بدء عمليّة التَحلّل.
لكنّ الاختبارات الحديثة، في هذا المضمار، التي قام بها فردريك الزغيبي (فريد الزغبي؟) Frederick Zugibe، الطبيب الأميركي اللبنانيّ الأصل، والمرجع العالمي حول تأثيرات الصلب على جسد المصلوب، تناقض معظم استنتاجات باربيه. ففي كتابه الأخير، الصادر في العام 2005، يردّ الزغبي على النقاط السابقة بالتالي:
- المسامير غرزت في الرسغ في منطقة أقرب إلى الإبهام، وليس للخنصر كما اعتقد باربيه.
- لا يموت المصلوب اختناقًا بل نتيجة الصدمة ( وهي انهيار حاد في ضغط الدم وعمل القلب نتيجة فشل آليات الجسم في الحفاظ على الدوران الطبيعي كما في النزف الشديد مثلاً ) ، فيقول الزغبي: " لو كان عليّ إصدار وثيقة وفاة بصفتي رئيسًا لجهاز الكشف الطبّي، لكنتُ قرَّرت أن سبب الوفاة هو الصدمة جراء الإصابات الناتجة عن عمليّة الصلب. ولو فرضنا أنّه لم يمت نتيجة هذه الاصابات، فإنّ جرح الحربة، بالإضافة إلى وضع الصدمة العام، سوف يؤدّي إلى الوفاة، نتيجة التحرّك المنصفي القويّ الذي يسبِّبه الاسترواح الصدري Pneumothorax ".
- إنّ جسم الرجل قد غُسل قبل إلقائه على الكفن، ولو لم يكن كذلك، لكان الكفن كلّه مغطّى بالدم، ومن المستحيل مشاهدة آثار الجروح واضحة كما تبدو عليه الآن.
- أنّ رجل الكفن إنسان ميت، وتصلّب الجثّة واضح.
هذا ويُشار إلى إنّ دراسات الزغبي لها مصداقيّة أكبر من دراسات باربيه، كونها تّمَّت بعد أكثر من خمسين سنة، في زمن تطوَّرت فيه الأبحاث الطبيّة بشكل هائل.

* علم النبات
أثبت علماء النبات وأهمهم ماكس فراي ( زوريخ - سويسرا ) وبعده أفينوام دانين و أوري باروخ( أستاذان في الجامعة العبرية في أورشليم ) وجود آثار لحبات طلع على النسيج يتناسب مع نباتات تنبت وتزهر في موسم الفصح في محيط مدينة أورشليم، بالإضافة لغبار طلع للأشواك التي صُنع منها إكليل الشوك الذي يبدو فوق رأس الرجل الذي في الكفن. فقد وجد فراي 58 نوعاً من حبات الطلع، منها ستة تعود لنباتات لا ينمو إلا على ضفاف البحر الميت، واخرى لأزهار موجودة فقط في تركيا.

* علم الكيمياء
وعلى رأس الباحثين كان ألان أدلر، وملخص الدراسات يقول:
إن آثار الجسم على الكفن ناتجة عن تدرّج ألوان الخيوط، وأنّه لا وجود لآثار اهتراء الجسم الذي لُفّ به هذا الكفن، ما يعني أنّ الجسم غادر الكفن قبل بدء عمليّة التحلّل، وأنّه ليس من المعقول أن يكون اللون القرمزيّ مادّة تلوينيّة لأنّه لو كان هناك تلوين، لسال مع ارتفاع الحرارة، في أثناء تعرّض الكفن للحريق عدّة مرّات، وأهمّه حريق العام 1532. كما ويُظهر التحليل بواسطة الكمبيوتر، عدم وجود اتجاهات محدّدة في البقع، وهذا يعني استحالة استعمال ريشة فنّان لصنعها. ليس من تطابق مع أيّ مادّة تلوينيّة استُعملت منذ آلاف السنين حتّى اليوم.

* علم الأيقونوغرافيا ( الأيقونات )
معظم أيقونات السيّد المسيح، بدءًا من القرن السادس، تحمل علامات مشتركة مع الوجه الذي نراه على الكفن، ما قد يدلّ على أنّ رسّامي الأيقونات استوحوا رسوماتهم من مصدر واحد. وقد أحصى پول ڤينيون العلامات المشتركة، فتبيَّن له أنّ عددها عشرون؛ وأحصاها مؤخّرًا الأميركي آلن وانغر ، بواسطة طريقة حديثة متطوّرة، فتَبيَّن له أنّها أكثر من مائتي علامة، نذكر أهمّها: الخطّ الأفقي في وسط الجبين، الحاجب الأيمن الذي هو أكثر كثافة من الحاجب الأيسر وأعلى منه، الوجنتان البارزتان، اللحية المنقسمة إلى اليمين وإلى اليسار، خصلة الشعر على الجبين.

* الكربون المشع
ذكرنا سابقاً النتيجة التي توصل لها الفحص الوحيد بالكربون المشع والذي أجري في ثلاث مخابر منفصلة.
لكن العلماء الذين لم يشاركوا في فحوص المختبرات الثلاثة تساءلوا: هل تَمَّ تنظيف العيّنات من آثار التلوّث المتراكم على سطح النسيج بطريقة جيّدة؟ وما كان تأثير حرارة الحريق الذي تعرَّض له الكفن، العام 1532 على كميّة الكاربون 14 في النسيج؟ ولماذا لم تؤخذ العيّنات من أماكن مختلفة من الكفن، بدل أن تؤخذ كلّها من مكان واحد مشكوك بأمره؟
ظلّ الوضع على حاله، بين أخذٍ وردّ، إلى أن نشر راي روجرز، في المجلّة الأميركيّة المتخصِّصة ، العدد 425، العام 2005، بحثا حاسمًا، بَرهن فيه أنّ المكوّنات الكيميائيّة للعيّنة التي اقتُطعت من الكفن لإجراء فحص الكاربون 14 عليها، تختلف عن المكوّنات الكيميائيّة لباقي نسيج الكفن، وأنّ عمر النّسيج الأساسيّ يتراوح ما بين 1300 سنة و3000 سنة. فاستنتج المجتمع العلمي أنّ عيّنة الكربون 14 لم تكن جزءًا من الكفن في الاساس، وربّما أُضيفت لاحقًا بطريقة حذقة وغير مرئية! ومع أنّ راي روجرز لم يكن له متَّسع من الوقت لتأكيد هذا الاستنتاج، إذ وافته المنيّة بسبب معاناته من مرض السرطان.

فرضيات انطباع الصورة
ليس مفهوماً حتى اليوم كيفيّة تشكل الصورة. لكن إحدى أهم المحاولات التي جرت لتفسير الظاهرة هي التي أجراها Dr. Nicolas Allen ، في غرفة معتمة مانعة لنفاذ الضوء، تمكن نيكولاس من الحصول على صور لتماثيل على كتان مطليّ بمادة نترات الفضة من خلال إضاءتها لأيام عدّة وهي أمام عدسة وفق تقنية الكميرا البسيطة. وهذه التقنية معروفة منذ زمن بعيد كما أن نترات الفضة كانت مادة لها استخداماتها الطبية ويسهل الحصول عليها في القرن الرابع عشر، كما كانت العدسات معروفة في ذلك الزمن وتستخدم للقراءة. وهذه الفرضية عادت للظهور عندما اكتشف الباحثون في جامعة بادوفا الإيطالية في العام 2004 انطباع باهت على الوجه الخلفي للقماش يظهر فقط الوجه واليدين بشكل خفيف جداً ودون أي تفاصيل إضافية، كما لو أن قماش الكفن كان ممدوداً أمام سطح مستوٍ أثناء عملية تصوير ( هذا لو صحت الفرضية أساساً )، كما أمام الجدار مثلاً حيث يخترقها الضوء ويصل للجدار ليعود ويرتد عليها مجدداً من الناحية الظهرية.
من الأمور التي تدعم فرضية وجود التزوير واستخدام هذه التقنية هو عدم وجود تشويه في صورة الرجل الذي من المفترض أن يحدث إذا كان ملفوفاً بتلك القطعة القماشية ( أي أن تكون الصورة أعرض بعد فرد القماش بشكل مستوٍ ).


السبت، 17 سبتمبر 2011

خلاص المؤمنين بابن الانسان - تحليل نصى


[ فَالْتَفَتَ وَانْتَهَرَهُمَا وَقَالَ: " لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا ! لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ ." فَمَضَوْا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى.] (لو 9 : 55-56)
كل الجزء الملون بالأحمر لم يدونه لوقا الرسول بل هو إضافة متأخرة من قبل بعض النساخ ، دعونا نحلل الأدلة الخارجية والداخلية ،
الأدلة الخارجية 
1-  القراءة التقليدية
K, Theta, Pi, f1, f13, 700, some Byz, some Lect, most lat vg, syr(c,p,h) some cop(north)[1]
ونظراً لأن معظم مخطوطات الفولجاتا تحتوى على القراءة التقليدية فسنجد ترجمة  DOUAY & RHEIMS  (DRC) وترجمة The Catholic Public Domain Version (CPDV) اللتان اعتمدتا على نص الفولجاتا يحتويان على القراءة التقليدية .
وكما نلاحظ أن أقدم مخطوطة يونانية تحتوى على النص تعود للقرن التاسع .
2-  القراءة النقدية
p45 p75 S A B C L W X Delta Xi Psi 28 33 565 892 1010 1241 some Byz most Lect one lat syr(s) most cop [2]
ونلاحظ أن أقدم مخطوطة يونانية تحتوى على النص تعود للقرن الثالث .

التعليق
يقول بروس تيرى
[ The additional wording is missing from most early manuscripts. Although it is possible that it was accidently omitted when copyists' eyes jumped from "and" to "and," there is no good reason why manuscript D should have accidently omitted the material in verse 56. That material seems to have come from Luke 19:10. It is likely that all the material was a marginal gloss that was added to the text by some copyists.]
 وسكريفنر وضع القراءة النقدية فى نسخته [3] ، وجميع الترجمات النقدية تتبنى القراءة النقدية
ASV, RSV, NASV, NIV, NEB, TEV,

هل هذا تحريف ؟
بالتأكيد لا ، أعيد وأكرر أن معنى التحريف [4] هو الإنحراف عن الأصل كما نقول على الشاب أنه انحرف أى كان مؤدباً ومهذباً ثم انحرف عن هذا الأصل فصار طالحاً فاسداً ، فالتحريف هو الإنحراف عن الأصل ، وهنا نسأل هل تغيرت رسالة المسيح مع حذف تلك الآية ؟ هل صار ابن الانسان لم يأتى ليخلص الهالكين ؟؟؟
فى نفس الانجيل (إنجيل لوقا) نقرأ [لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ ] (لو 19 : 10) ، وتلك الآية لا خلاف نصى حولها ، وهى تحتوى نفس المعنى للقراءة التقليدية المحذوفة ، تلك المشابهة دفعت العالم فيليب كومفورت للقول بأن القراءة المضافة هى مستمدة من (لو 19 : 10) [5] ، أما عن جزء [لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا ] فإنها تريد أن توضح الفرق بين روح التلاميذ (التى هى روح انتقام) وروح المسيح (التى تدعو للخلاص للكل) ، ويختتم العالم كومفورت كلامه بأنه على الرغم من أن ذلك الجزء لم يكتبه لوقا إلا أنه يوافق لاهوت لوقا [6] .

خاتمة
نعم لوقا الرسول لم يدون تلك الأية فى انجيله ولكن حذفها لا يغير المحتوى الانجيلى ، فالرسالة الانجيلية ثابتة لم تتغير .


[1]  Bruce Terry: Student's Guide to New Testament Textual Variants, entry for (Luke 9:55-56)
[2]  Ibid, entry for (Luke 9:55-56)
[3]  The New Testament in the Revised Version of 1881 with Fuller References, p.165
[4] راجع/ صموئيل طلعت: قضية التحريف (تجدونه على المدونة)
[5]  Philip W. Comfort: New Testament Text and Translation Commentary, p. 197
[6]  Ibid

الجمعة، 16 سبتمبر 2011

ولا أنا أديــــــنك - القديس أغسطينوس


ولا أنا أديــــــنك

القديس أغسطينوس
 
لنتأمل الآن كيف تم أختبار لطف الرب ووداعته بواسطة أعدائه. 

"وقدم إليه الكتبة والفريسيون امرأة أُمسكت في زنا. ولما أقاموها في الوسط قالوا له: "يا مُعلم هذه المرأة أُمسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى في الناموس أوصانا أنَّ مثل هذه تُرجَم. فماذا تقول أنت. قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه" (يو 8) 

يشتكون عليه بماذا؟ هل قبضوا عليه في جريمة ما؟ أم كانت لهذه المرأة أي صلة به بأي شكل من الأشكال؟! ما الذي يعنيه إذن بقوله: "ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه"؟ 

نستنتج أيها الأخوة أنه كان واضحاً جداً في شخص الرب لطفه البديع ووداعته. لقد لاحظوا أنه شخص نبيل جداً، لطيف وكريم للغاية. هذا هو ما تنبأ عنه المزمور من قبل قائلاً: "تقلد سيفك على جنبك أيها الجبار بالجلال والبهاء. سر وأركب. في سبيل الحق والدعة والبر" (مز 45). 

يُحضر الحق كمعلم، والوداعة كمخلص، والبر كمدافع. 

لهذا تنبأ النبي أنه سوف يملك في الروح القدس (إش 11). عندما كان المسيح يتكلم كان الحق يُدرَك، عندما كان لا يثور ضد أعدائه، كانت الوداعة تُمدح. لذلك، بما أن أعداءه كانوا يتعذبون بالحسد والغيرة بسبب هذين السمتين – أي الحق والوداعة – وضعوا له حجر عثرة في السمة الثالثة - أعني البر (العدل). 

لماذا؟ لأن الناموس قد أمر برجم الزناة، وبطبيعة الحال، لا يمكن أن يأمر الناموس بشيء غير عادل، وبالتالي إن قال أي أحد شيئاً مخالفاً لما أمر به الناموس، يُحسب كشخص غير عادل. لذا، قالوا بعضهم لبعض: "أنه يُعتبر شخصاً صادقاً، أنه يبدو وديعاً، يجب أن نحاول تشويه سمعته في مسألة العدل. هلم نقدم له امرأة أمسكت في زنا، ونقول له ما تم اقراره عنها في الناموس. إن أمر برجمها لا يكون لديه وداعة، وإن حكم بمسامحتها، لا يكون لديه عدل. لكنه سوف يحكم بلا شك بمسامحتها والعفو عنها حتى لا يفقد وداعته التي صار بسببها محبوباً الآن من الشعب. ومن ثم، تسنح لنا الفرصة لتوجيه التهمة له، ونجعله مذنباً بتعديه على الناموس. قائلين له: أنت عدو الناموس، أنت تخالف موسى - كلا بل تخالف ذاك الذي أعطى الناموس بواسطة موسى. أنت مذنب وتستحق الموت، ويجب أن تُرجم أنت أيضاً معها". 

من خلال هذه الكلمات وهذه الأفكار يشتعل الحسد، ويهتاج الاتهام، وتُطلب الادانة.

ولمن يفعلون ذلك؟! نجد هنا الانحراف أمام الاستقامة، والباطل أمام الحق، وقلب فاسد أمام قلب مستقيم، والغباء أمام الحكمة. إذ كيف يمكنهم أن يعدوا فخاخاً دون حشر رؤوسهم فيها أولاً؟! تأملوا جواب الرب، فهو سوف يحافظ على العدل دون أن يحيد عن الوداعة. الذي بُسطت له الشبكة لم يُمسك فيها، وبدلاً من ذلك أمسك فيها الذين كانوا يبسطونها له، لأنهم لم يؤمنوا بمن يستطيع اقتلاعهم من الفخاخ. 


بماذا أجاب الرب يسوع إذاً؟ بماذا أجاب الحق؟ بماذا أجاب الحكمة؟ بماذا أجاب العدل ذاته الذي كانت تدبَّر ضده الوقيعة؟

لم يقل: "لا يجب أن ترجم"، حتى لا يبدو كلامه مخالفاً للناموس. وحاشا أن يقول: "فلترجم المرأة!"، لأنه جاء لا ليهدم، بل "لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو 19: 11).

بماذا أجاب إذاً؟ تأملوا جوابه الممتلئ بالعدل والوداعة والحق.

أجاب الرب: "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر".

يا لجواب الحكمة! بهذا الجواب ردهم إلى أنفسهم! إذ أنهم كانوا يفترون خارجياً، دون أن يفحصوا أنفسهم داخلياً. لقد رأوا زانية لكنهم لم ينظروا بعناية إلى أنفسهم. المخالفين للناموس أرادوا تتميم الناموس، بدافع الافتراء لا بإخلاص، كما لو أنهم يحكمون على الزنا بقلب عفيف. 

آه أيها اليهود لقد سمعتم، أيها الفريسيين لقد سمعتم، يا معلمي الناموس لقد سمعتم حارس الناموس، لكنكم لم تفهموا حتى الآن مُشرِّع الناموس. بماذا كان يشير الرب إليكم عندما كان يكتب بأصبعه على الأرض؟ لقد كُتب الناموس بأصبع الله، ولأنهم كانوا شعب قاسي القلب كُتب على حجر (خر 31). أما الآن فالرب يكتب على الأرض، لأنه يطلب الثمر. 


لقد سمعتم، ليكن الناموس مطبقاً، لترجم الزانية، لكن هل في معاقبتها يطبَّق الناموس بواسطة أولئك الذين ينبغي معاقبتهم؟ لينتبه كل واحد منكم إلى حاله، ليدخل إلى نفسه، ليذهب إلى محكمة عقله، وليجبر نفسه على الاعتراف. فهو يعرف ذاته، "لأن مَن مِن الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه" (1 كو 11:2). كل واحد منهم بالنظر إلى نفسه وجد نفسه خاطئاً. نعم، حقاً. وبالتالي، إما أن يعفو عن المرأة، أو أن يقبل عقوبة الناموس سوياً معها. 

إذا كان قد قال: "لا ترجموا الزانية!"، لكان قد برهن على أنه غير عادل، وإذا كان قد قال: "لترجم الزانية"، لكان قد ظهر أنه بلا وداعة. ليقل إذاً ما يجب قوله، فهو وديع وعادل على حد سواء. "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر". هذا هو صوت العدل. لتعاقب المرأة التي أخطأت، لكن ليس بواسطة خطاة، ليُنفَّذ الناموس لكن ليس بواسطة مخالفين للناموس. هذا هو بالتأكيد صوت العدل. وعندما ضُربوا هكذا بهذا العدل كما ولو برمح نافذ، كانت ضمائرهم تبكتهم وعلموا أنهم خطاة، ومن ثم "خرجوا واحداً فواحدا". 

وبقي فقط أثنين، المرأة المتُحنن عليها، والحنان ذاته. 

وعندما ضربهم الرب برمح العدالة، تنازل الرب ولم ينظر إليهم في انهيارهم، لكنه حول نظره عنهم، إذ "أنحنى أيضاً إلى أسفل وكان يكتب على الأرض". 


والآن بعد أن ترك الجميع المكان وبقيت المرأة وحدها، رفع الرب عينيه إلى المرأة. لقد سمعنا صوت العدل، لنسمع الآن صوت اللطف والوداعة. على ما أعتقد، أن هذه المرأة قد أرتعبت بالأكثر عندما سمعت الرب يقول: "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر".

أما هم فبعد أن رجعوا إلى أنفسهم وأعترفوا بذنبهم بالمغادرة ذاتها، تركوا المرأة بخطيئتها الضخمة لذاك الذي وحده بلا خطية. ولكونها سمعت هذا الحكم "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر"، توقعت أن تُعاقب بواسطة ذاك الذي ليس فيه خطية. ولكن الرب الذي صدَّ خصومه بلسان العدل، سأل المرأة وهو ينظر إليها بعيني اللطف والوداعة: "أما دانك أحد؟". أجابته: "لا أحد يا سيد". "فقال لها يسوع: ولا أنا أدينك". من كانت تخشى أن تدان بواسطته لأنه بلا خطية قال لها: "ولا أنا أدينك". 

ماذا يعني ذلك يارب؟ 
هل بذلك توافق على الخطايا؟ 

بالتأكيد لا. 

لننتبه لما يتبع: "أذهبي ولا تخطئي أيضاً". هكذا أدان الرب، أدان الخطية لا الشخص. لأنه إذا كان يؤيد الخطية، لكان قد قال: "ولا أنا أدينك، أذهبي وأسلكي كما تريدين. لا تقلقلي بشأن تحريري. فسوف أحررك من عقوبة جهنم والعذاب في الجحيم مهما كثرت خطاياكِ". لم يقل الرب هذا. 

لينتبه إذاً أولئك الذين يحبون صفة الوداعة في الرب ويخافون من الحق. 

"الرب صالح ومستقيم" (مز 8:25). أنت تحبه لأنه صالح وحلو، لتخف لأنه أيضاً بار ومستقيم. كشخص لطيف قال: "سكتُّ مطولاً وصَمَتُّ"، وكشخص عادل قال: "فهل أصمت دائماً؟" (إش 42: 15 س). "أما أنت يارب فإله رحيم ورؤوف" (مز 86)، نعم حقاً هو كذلك، وأضف أيضاً "طويل الروح"، وأضف أيضاً "كثير الرحمة"، لكن أخشى مما يأتي بعد ذلك: "ووافر الحق". بالنسبة لأولئك الذين يتحملهم الآن كخطاة، سوف يدينهم آنذاك كمحتقرين. "أم تستهين بغنى لُطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أنَّ لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تَذخرُ لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة، الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله" (رو 2). 


أنه ربُ لطيف ووديع، ربُ طويل الروح، ربُ رحيم، لكنه أيضاً ربُ عادل وربُ صادق. لقد مُنحت لك فترة من الوقت للتصحيح، لكنك تحب المماطلة أكثر من تعديل سلوكك.

هل كنت شريراً بالأمس؟ كن باراً اليوم.
هل قضيت هذا اليوم في الشر؟ على الأقل تغيَّر غداً.

أنت تؤجل دائماً، وتعد نفسك بالكثير من رحمة الله، كما لو أن ذاك الذي وعدك بالمغفرة - من خلال توبتك - وعدك أيضاً بعمر طويل. كيف تعرف ما قد يأتي به غداً؟ أنت تقول في قلبك وبحق: "عندما أصحح نفسي، سوف يغفر لي الله جميع خطاياي". نحن لا ننكر وعد الله بالمغفرة لأولئك الذين تابوا وغيروا من حياتهم. لكن مع وعود الرب بالمغفرة عند التوبة، لا نجد أيضاً أنه وعدك بعمر مديد وحياة طويلة. 

إذاً، الإنسان معرض للخطر من قبل أمرين، من قبل الأمل ومن قبل اليأس، من مشاعر متناقضة. من هذا الذي يُخدع بالأمل؟ ذلك الذي يقول، الله صالح، الله رحيم، لأفعل ما أريد، لأفعل ما يحلو لي، لأتصرف كما أشاء، لأرخي لجام رغباتي وأتمم ما تشتهيه نفسي. لماذا؟ لأن الله رحيم، الله صالح، الله وديع. مثل هذا الإنسان مُعرض للخطر بواسطة الأمل. 

ومعرض للخطر من خلال اليأس، أولئك الذين بعد أن سقطوا في خطايا صعبة، يفكرون في أنفسهم أنه حتى ولو تابوا لن يمكنهم الحصول على الغفران، فيقررون أنهم مقدر لهم اللعنة بلا شك، ويقولون لأنفسهم: والآن بما أننا بالتأكيد مدانين، لماذا لا نفعل إذاً ما نريد؟ ومن ثم يتصرفون كالمصارعين المحكوم عليهم بحد السيف. هكذا يكون اليائس مقلقاً ومزعاً، إذ ليس عنده ما يخشاه، لذا وجب الحرص منه. 

اليأس يقتل، والأمل يقتل. والعقل يتذبذب بين الأمل واليأس. يجب أن تخاف لئلا يذبحك الأمل، وبينما تتوقع الكثير جداً من الرحمة تقع في الدينونة. وأيضاً يجب أن تخاف لئلا يذبحك اليأس، وبينما تظن أنك لا تستطيع الحصول على الغفران الآن من جراء خطاياك الخطيرة التي أرتكبتها، لا تسعى لتقديم أعمال التوبة، فتقابل الديان – الحكمة – الذي يقول: "فأنا أيضاً أضحك عند بليتكم" (أم 1). 

ماذا يفعل الرب إذاً مع أولئك المعرضين لهذه الأمراض؟ لأولئك المعرضين لخطر الأمل، يقول: "لا تؤخِّر التوبة إلى الرب، ولا تؤجل من يوم إلى يوم. فإنَّ غضب الرب ينفجر بغتةً، فتستأصلُ في يوم العقاب" (سيراخ 5). ولأولئك المعرضين لخطر اليأس، ماذا يقول؟ "والشرير، إذا رجع عن جميع خطاياه التي صنعها وحفظ جميع فرائضي وأجرى الحق والبر، فإنه يحيا حياة ولا يموت. جميع معاصيه التي صنعها لا تُذكر له". إذاً لأولئك المعرضين لخطر اليأس، قدَّم ميناء المغفرة، ولأولئك المعرضين لخطر الأمل والتأجيل، جعل يوم الموت غير معلوم. أنت لا تعرف متى يأتي يومك الأخير. فهل تكون ناكراً للجميل لأنه مازال يسمح لك باليوم، الذي فيه يمكنك تصحيح نفسك؟! 

لذا قال للمراة: "ولا أنا أدينك"، ها قد حررتك من الماضي، أحذرِ أذاً من المستقبل. 

"ولا أنا أدينك"، لقد محوت ما أرتكبتيه من معاصي، أحفظي كل ما أوصيت به، حتى تحصلي على ما وعدت به. 

Reference: The Fathers of the Church Series, Volume 88, Augustine, Tractates on the Gospel of John, Catholic University of America

مصدر ترجمة المقال مدونة آبائية