الحقيقة مطلقة فى ذاتها ، والانسان يمكن أن يصل لها من خلال الحواس ، فكل ما يلمسه الانسان بحواسه هو حقيقة مطلقة (على الرغم من تشكك الامام الغزالى فى الحواس حيث تقدم لنا الحواس بيانات غير دقيقة أحياناً ويضرب لنا مثالاً على ذلك ألا وهو رؤية القمر ، فعلى الرغم من أن القمر يبدو لنا فى حجم الدينار إلا أن العلم يؤكد أنه يساوى ربع حجم الأرض ، وبالتالى فإن الحواس تخدعنا أحياناً ولذلك لا يمكن أن نعتمد عليها فى الوصول إلى الحقيقة المطلقة ، وقد ذهب أيضاً الفيلسوف الفرنسى ديكارت إلى التشكك فى الحواس) لكننا سنعتنق فى هذا المقال الرأى المشهور ألا وهو : أن الحواس هى الطريق للحقيقة المطلقة .
لكن ماذا عما لا يمكن للإنسان لمسه بالحواس؟ قد يكون حقيقة وقد لا يكون ، سأعطى مثالاً على ذلك : هل الله موجود ؟ هناك احتمالين : الله موجود ، الله غير موجود
ولكن أى الاحتمالين يمثل الحقيقة المطلقة ؟ هنا تكمن المشكلة ، لا يستطيع الانسان معرفة الحقيقة المطلقة لكن ليس معنى عدم معرفة الإنسان للحقيقة المُطلقة ، أنها ليست مطلقة ، لأن معرفة الإنسان خاصة بالإنسان ولا تؤثر على حال الحقيقة.
إذاً هل معنى أننا لن نصل إلى الحقيقة المطلقة أننا لن نصل للحقيقة أبداً أى هل لا يمكننا أن نحدد هل الله موجود أم لا ؟
لا ، يمكننا أن نحدد ويمكننا أن نصل لدرجة عالية من الثقة فى الاحتمال الذى سنصل إليه ، نعم لن نصل إلى الحقيقة المطلقة ولكننا سنصل إلى أقرب درجة ممكنة منها ، ولكن كيف سنصل ؟
الدليل وتحليل البيانات هو المنهج الوحيد للوصول إلى أقرب درجة ممكنة من الحقيقة المطقة ، فعلينا أن نجمع البيانات والأدلة ، ثم نقوم بتقييم الأدلة ، ثم نضع كافة الاحتمالات الممكنة ، ثم نبحث عن التفسير الوحيد الذى يفسر هذه الأدلة بأفضل شكل ممكن ، عندها سيكون هذا التفسير على درجة كبيرة من الثقة ، أنا دائماً أحب أن أقول (الحقيقة مُطلقة فى ذاتها ، ولكنها نسبية فى منهجها) فالمناهج التى يستخدمها الملحد فى إثبات عدم وجود الله غير المنهجية التى يستخدمها المؤمن لإثبات وجود الله ، هذا لا يعنى أنه لا يوجد دليل، و لكن الدليل لن يسير طوال الرحلة ، هناك نقطة معينة سيقف معها الدليل ، و سيكمل الإيمان بقية المسيرة.
فالايمان لا يأتى من فراغ أو جهل كما يدعى بعض الملحدين ، ولكنه يأتى بعد مسيرة مع الدليل ، يتوقف فيها الدليل عند محطة يبدأ منها الايمان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق