الأحد، 22 يناير 2012

الحروب الصليبية ... إعادة فحص


درسنا فى المدارس وقرأنا فى كتب التاريخ العربية المعاصرة أن سبب الحروب الصليبية هو جشع الصليبين وأنهم أتوا لإستعمار الشرق ، لكننى فوجئت وأنا أقرأ فى موسوعة "قصة الحضارة" أن أول سبب للحروب الصليبية هو تقدم الجيوش الإسلامية تجاه أوروبا ومعاملة المسلمين الغير إنسانية للمسيحيين (سواء الذين يحجون للقدس أو للقاطنين فيها) حيث يقول المؤرخ ول ديورانت [وأول سبب مباشر للحروب الصليبية هو زحف الأتراك السلاجقة] [1] ثم وضح أنه على الرغم من روح التسامح الدينى التى تمتع بها الحكام الفاطميون حيث كان المسيحيون يمارسون شعائرهم بحرية إلا أنه كانت هناك فترات قصيرة تم فيها اضطهاد للمسيحيين مثل ما فعله الحاكم بأمر الله من تدمير كنيسة الضريح المقدس (القيامة) عام 1010م ولكن المسلمين أنفسهم هم الذين أعادوا بنائها [2] ، لكن قمة الاضطهاد قد تم فى عهد الأتراك حيث يقول [لكن الأتراك انتزعوا بيت المقدس من الفاطميين فى عام 1070م ، وأخذ الحجاج المسيحيون بعد عودتهم إلى أوطانهم يتحدثون عما يلقونه فيها من ظلم وتحقير. وتقول قصة قديمة لا نجد ما يؤيدها ، إن أحد هؤلاء الحجاج وهو بطرس الناسك حمل إلى البابا إربان الثانى Urban II من سمعان بطريق أورشليم رسالة تصف بالتفصيل ما يعانيه المسيحيون فيها من اضطهاد وتسغيث به لينقذهم (1088م).] [3]
فما الذى كان يعانيه المسيحيون إبان تلك الفترة ؟
قلتُ لنفسى ربما ول ديورانت لأنه غربى قد يكون متحاملاً على المسلمين ، ولكن ول ديورانت مشهود له بالنزاهة التاريخية ، يقول عنه محمد بدران [خصت منها الحضارة الإسلامية بجزء كامل ، وقد وصف فيه المؤلف (يقصد ويل ديورانت) هذه الحضارة وصف المؤرخ النزيه ، فأبان فضلها على العالم ماضيه وحاضره ، ولم تفته الإشارة بفضائل الدين الإسلامى] [4] بالإضافة إلى أنه مؤرخ له مكانته المرموقة فما الذى يجعله يهز مكانته بالتحامل على المسلمين ؟؟؟!!! يقول الدكتور حسن عثمان عن الموسوعة [وفى سبيل ذلك طاف المؤلف (يقصد ويل ديورانت) فى صحبة زوجته ( يقصد أريل ديورانت Ariel Durant ) كثيراً من أنحاء الأرض مرات عديدة متتالية ، ومضيا معاً باحثين منقبين مشاهدين متأملين مستلهمين معارفهما وخبراتهما من شتى الأصول والمصادر والأفاق ، فجاء الكتاب (يقصد قصة الحضارة) وافياً شاملاً ، مع تميزه بالبساطة والسهولة والوضوح والسلاسة والعمق والذوق الرفيع ، فضلاً عن عنايته بذكر فيض من المصادر والمراجع لمن يرغب فى الاطلاع والبحث مزيداً] [5]  وقد حصل بسبب هذه الموسوعة التى أستغرق تأليفها خمسين عاماً على ميدالية الحرية Medal of Freedom  من الرئيس الأمريكى فورد Gerald Ford  فى 10 يناير 1977 ، لذلك فهو مؤرخ له مكانته المرموقة بلا شك ، ولذلك فإن أحكامه التاريخية هامة بالنسبة لنا ، وهذا ما دفعنى للبحث فى كتب التاريخ الإسلامى ، فوجدت ما قاله ول ديورانت مفصلاً فى كتاب المؤرخ المسلم المقريزى حيث يقول بالنص:
[وفي أيامه أمر المتوكل على الله في سنة خمس وثلاثين ومائتين أهل الذمّة بلبس الطيالسة العسلية وشدّ الزنانير وركوب السروج بالركب الخشب، وعمل كرتين في مؤخر السرج، وعمل رقعتين على لباس رجالهم تخالفان لون الثوب، قدر كلّ واحدة منهما أربع أصابع، ولون كلّ واحدة منهما غير لون الأخرى، ومن خرج من نسائهم تلبس إزارا عسليا، ومنعهم من لباس المناطق، وأمر بهدم بيعهم المحدثة، وبأخذ العشر من منازلهم، وأن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب، ونهى أن يستعان بهم في أعمال السلطان، ولا يعلمهم مسلم، ونهى أن يظهروا في شعانينهم صليبا، وأن لا يشعلوا في الطريق نارا، وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض، وكتب بذلك إلى الآفاق، ثم أمر في سنة تسع وثلاثين أهل الذمّة بلبس دراعتين عسليتين على الذراريع والأقبية، وبالاقتصار في مراكبهم على ركوب البغال والحمير دون الخيل والبراذين. فلما مات يوساب في سنة اثنتين وأربعين ومائتين خلا الكرسيّ بعده ثلاثين يوما، وقدّم اليعاقبة قسيسا بدير بحنس يدعى بميكائيل في البطركية، فأقام سنة وخمسة أشهر ومات، فدفن بدير بومقار، وهو أوّل بطرك دفن فيه، فخلا الكرسيّ بعده أحدا وثمانين يوما، ثم قدّم اليعاقبة في سنة أربع وأربعين ومائتين شماسا بدير بومقار اسمه قسيما، فأقام في البطركية سبع سنين وخمسة أشهر ومات، فخلا الكرسيّ بعده أحدا وخمسين يوما. وفي أيامه أمر نوفيل بن ميخائيل ملك الروم بمحو الصور من الكنائس، وأن لا تبقى صورة في كنيسة، وكان سبب ذلك أنه بلغه عن قيم كنيسة أنه عمل في صورة مريم عليها السلام شبه ثدي يخرج منه لبن ينقط في يوم عيدها، فكشف عن ذلك فإذا هو مصنوع ليأخذ به القيم المال، فضرب عنقه وأبطل الصور من الكنائس، فبعث إليه قسيما بطرك اليعاقبة وناظره حتى سمح بإعادة الصور على ما كانت عليه، ثم قدّم اليعاقبة ساتير بطركا، فأقام تسع عشرة سنة ومات، فأقيم يوسانيوس في أوّل خلافة المعتز، فأقام إحدى عشرة سنة ومات، وعمل في بطركيته مجاري تحت الأرض بالإسكندرية يجري بها الماء من الخليج إلى البيوت.
وفي أيامه قدم أحمد بن طولون مصر أميرا عليها، ثم قدّم اليعاقبة ميخائيل فأقام خمسا وعشرين سنة ومات بعد ما ألزمه أحمد بن طولون بحمل عشرين ألف دينار، باع فيها رباع الكنائس الموقوفة عليها، وأرض الحبش ظاهر فسطاط مصر، وباع الكنيسة بجوار المعلقة من قصر الشمع لليهود، وقرّر الديارية على كلّ نصرانيّ قيراطا في السنة، فقام بنصف المقرّر عليه. وفي أيامه قتل الأمير أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، فلما مات شغر كرسيّ الإسكندرية بعده من البطاركة أربع عشرة سنة، وفي يوم الاثنين ثالث أحرقت الكنيسة الكبرى المعروفة بالقيامة في الإسكندرية، وهي التي كانت هيكل زحل، وكانت من بناء كلابطرة. وفي سنة إحدى وثلاثمائة قدّم اليعاقبة غبريال بطركا، فأقام إحدى عشرة سنة ومات، وأخذت في أيامه الديارية على الرجال والنساء، وقدّم بعده اليعاقبة في سنة إحدى عشرة وثلاثمائة قسيما فأقام اثنتي عشرة سنة ومات. وفي يوم السبت النصف من شهر رجب سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة أحرق المسلمون كنيسة مريم بدمشق، ونهبوا ما فيها من الآلات والأواني وقيمتها كثيرة جدّا، ونهبوا ديرا للنساء بجوارها، وشعثوا كنائس النسطورية واليعقوبية. وفي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة قدم الوزير عليّ بن عيسى بن الجرّاح إلى مصر، فكشف البلد وألزم الأساقفة والرهبان وضعفاء النصارى بأداء الجزية، فأدّوها، ومضى طائفة منهم إلى بغداد واستغاثوا بالمقتدر بالله، فكتب إلى مصر بأن لا يؤخذ من الأساقفة والرهبان والضعفاء جزية، وأن يجروا على العهد الذي بأيديهم. وفي سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة قدّم اليعاقبة بطركا اسمه ... «1» فأقام عشرين سنة ومات، وفي أيامه ثار المسلمون بالقدس سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وحرّقوا كنيسة القيامة ونهبوها وخرّبوا منها ما قدروا عليه. وفي يوم الاثنين آخر شهر رجب سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة مات سعيد بن بطريق بطرك الإسكندرية على الملكية بعد ما أقام في البطركية سبع سنين ونصفا في شرور متصلة مع طائفته، فبعث الأمير أبو بكر محمد بن طفج الإخشيد أبا الحسين من قوّاده في طائفة من الجند إلى مدينة تنيس، حتى ختم على كنائس الملكية وأحضر آلاتها إلى الفسطاط، وكانت كثيرة جدّا فافتكها الأسقف بخمسة آلاف دينار باعوا فيها من وقف الكنائس، ثم صالح طائفته وكان فاضلا وله تاريخ مفيد، وثار المسلمون أيضا بمدينة عسقلان وهدموا كنيسة مريم الخضراء، ونهبوا ما فيها، وأعانهم اليهود حتى أحرقوها، ففرّ أسقف عسقلان إلى الرملة وأقام بها حتى مات، وقدّم اليعاقبة في سنة خمس وأربعين وثلاثمائة تاوفانيوس بطركا، فأقام أربع سنين وستة أشهر ومات، فأقيم بعده مينا، فأقام إحدى عشرة سنة ومات، فخلا الكرسيّ بعده سنة، ثم قدّم اليعاقبة افراهام بعده مينا، فأقام ست وستين وثلاثمائة فأقام ثلاث سنين وستة أشهر ومات مسموما من بعض كتاب النصارى، وسببه أنه منعه من التسرّي، فخلا الكرسي بعده ستة أشهر، وأقيم فيلاياوس في سنة تسع وستين، فأقام أربعا وعشرين سنة ومات، وكان مترفا. وفي أيامه أخذت الملكية كنيسة السيدة المعروفة بكنيسة البطرك، تسلمها منهم بطرك الملكية أرسانيوس في أيام العزيز بالله نزار بن المعز، وفي سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة قدّم اليعاقبة زخريس بطركا، فأقام ثماني وعشرين سنة، منها في البلايا مع الحاكم بأمر الله أبي عليّ منصور بن العزيز بالله تسع سنين، اعتقله فيها ثلاثة أشهر، وأمر به فألقي للسباع هو وسوسنة النوبيّ، فلم تضرّه، فيما زعم النصارى. ولما مات خلا الكرسيّ بعده أربعة وسبعين يوما، وفي بطركيته نزل بالنصارى شدائد لم يعهدوا مثلها، وذلك أن كثيرا منهم كان قد تمكن في أعمال الدولة حتى صاروا كالوزراء وتعاظموا لاتساع أحوالهم وكثرة أموالهم، فاشتدّ بأسهم وتزايد ضررهم ومكايدتهم للمسلمين، فأغضب الحاكم بأمر الله ذلك، وكان لا يملك نفسه إذا غضب، فقبض على عيسى بن نسطورس النصرانيّ، وهو إذ ذاك في رتبة تضاهي رتب الوزراء وضرب عنقه، ثم قبض على فهد بن إبراهيم النصرانيّ كاتب الأستاذ برجوان وضرب عنقه، وتشدّد على النصارى وألزمهم بلبس ثياب الغيار، وشدّ الزنار في أوساطهم ومنعهم من عمل الشعانين وعيد الصليب والتظاهر بما كانت عادتهم فعله في أعيادهم من الاجتماع واللهو، وقبض على جميع ما هو محبس على الكنائس والديارات وأدخله في الديوان، وكتب إلى أعماله كلها بذلك، وأحرق عدّة صلبان كثيرة، ومنع النصارى من شراء العبيد والإماء، وهدم الكنائس التي بخط راشدة ظاهر مدينة مصر، وأخرب كنائس المقس خارج القاهرة، وأباح ما فيها للناس، فانتهبوا منها ما يجل وصفه، وهدم دير القصير وانهب العامة ما فيه، ومنع النصارى من عمل الغطاس على شاطىء النيل بمصر، وأبطل ما كان يعمل فيه من الاجتماع للهو، وألزم رجال النصارى بتعليق الصلبان الخشب التي زنة كل صليب منها خمسة أرطال في أعناقهم، ومنعهم من ركوب الخيل، وجعل لهم أن يركبوا البغال والحمير بسروج ولجم غير محلاة بالذهب والفضة، بل تكون من جلود سود، وضرب بالحرس في القاهرة ومصر أن لا يركب أحد من المكارية ذمّيا، ولا يحمل نوتيّ مسلم أحدا من أهل الذمة، وأن تكون ثياب النصارى وعمائهم شديدة السواد، وركب سروجهم من خشب الجميز، وأن يعلق اليهود في أعناقهم خشبا مدوّرا زنة الخشبة منها خمسة أرطال، وهي ظاهرة فوق ثيابهم، وأخذ في هدم الكنائس كلها وأباح ما فيها، وما هو محبس عليها للناس نهبا وإقطاعا، فهدمت بأسرها ونهب جميع أمتعتها وأقطع أحباسها، وبني في مواضعها المساجد، وأذن بالصلاة في كنيسة شنودة بمصر، وأحيط بكنيسة المعلقة في قصر الشمع، وأكثر الناس من رفع القصص بطلب كنائس أعمال مصر ودياراتها، فلم يردّ قصة منها إلّا وقد وقع عليها بإجابة رافعها لما سأل، فأخذوا أمتعة الكنائس والديارات وباعوا بأسواق مصر ما وجدوا من أواني الذهب والفضة وغير ذلك، وتصرّفوا في أحباسها، ووجد بكنيسة شنودة مال جليل، ووجد في المعلقة من المصاغ وثياب الديباج أمر كثير جدّا إلى الغاية، وكتب إلى ولاة الأعمال بتمكين المسلمين من هدم الكنائس والديارات فعمّ الهدم فيها من سنة ثلاث وأربعمائة حتى ذكر من يوثق به في ذلك أن الذي هدم إلى آخر سنة خمس وأربعمائة بمصر والشام وأعمالهما من الهياكل التي بناها الروم نيث وثلاثون ألف بيعة، ونهب ما فيها من آلات الذهب والفضة، وقبض على أوقافها، وكانت أوقافا جليلة على مبان عجيبة، وألزم النصارى أن تكون الصلبان في أعناقهم إذا دخلوا الحمام، وألزم اليهود أن يكون في أعناقهم الأجراس إذا دخلوا الحمام، ثم ألزم اليهود والنصارى بخروجهم كلهم من أرض مصر إلى بلاد الروم، فاجتمعوا بأسرهم تحت القصر من القاهرة واستغاثوا ولاذوا بعفو أمير المؤمنين حتى أعفوا من النفي، وفي هذه الحوادث أسلم كثير من النصارى.] [6]

الترتيب الكرونولوجى للأحداث طبقاً لما قاله المقريزى:
عام 300 : هدم كنيسة القيامة فى الاسكندرية أيام المعتز.
عام 312 : حرق كنيسة العذراء بدمشق ونهب ما فيها.
عام 325 : حرق ونهب كنيسة القيامة بالقدس.
عام 328 : هدم وحرق كنيسة مريم الخضراء بالعسقلان.
كان لحدث هدم كنيسة القيامة وسوء معاملة الحجاج المسيحيين رد الفعل الأقوى فى الغرب [7] وهذا دفع توماس ف. مادين الذى يشغل كرسى قسم التاريخ فى جامعة سانت لويس و مؤلف كتاب A) Concise History of the Crusades) ومحرر كتاب (Crusades, the illustrated history) أن يقول أن الحروب الصليبية لم تكن سوى حروب دفاعية , لا حروب لأجل الأستعمار (راجع الحوار بنصه الإنجليزى هنا وترجمته العربية هنا).
إن ما كتبته ليس هجوماً على المسلمين بل توضيحاً لحقائق التاريخ ، فما فعله صلاح الدين الأيوبى مع الصليبيين لهو أروع مثال على نبل المقاتل وشهامة الإنسان.







[1] ول ديورانت: قصة الحضارة ، ترجمة: محمد بدران ، (مكتبة الأسرة 2001) ، المجلد الثامن  ، ج 15 ، ص 11
[2] المرجع السابق ، ص 12
[3] المرجع السابق ، ص 12
[4] المرجع السابق ، ص 318 ، 319
[5] د. حسن عثمان: منهج البحث التاريخى ، دارالمعارف ، الطبعة الثامنة ، ص 15
[6] المقريزى: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ، (دار الكتب العلمية ، بيروت) ، الطبعة الأولى ، ج 4 ، ص 411 : 414
[7] John France: The First Crusade "Impelled by the love of God", In: Crusades, the illustrated history,(Thomas F. Madden, editor), p. 34  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق