الخميس، 5 يناير 2012

بين تراثين


عندما قلت أن التشكيك فى أمانة الكنيسة فى تسليمها للعبادة الرسولية سيؤدى بنا إلى التشكك فى أمانتها فى تسليمها الكتاب المقدس لأن كلا الاثنين قد سلمتهما لنا الكنيسة ، اتهمنى البعض بالتهويل قائلين بأن البروتستانت الذين احتجوا على الطقس الكنسى (الذى هو العبادة الرسولية ـــ فى وجهة نظرى ـــ فللرسل طريقة عبادة (طقس) سلموها للكنيسة حيث يخبرنا بولس الرسول فى رسالته للعبرانيين بأنه سيسلمهم الأنظمة الخاصة بالعماد ووضع اليد ولم يكتب شيئاً عن تفاصيلها لأنه سيسلمهم إياها شفاهاً حيث يقول [تَعْلِيمَ الْمَعْمُودِيَّاتِ، وَوَضْعَ الأَيَادِي، قِيَامَةَ الأَمْوَاتِ، وَالدَّيْنُونَةَ الأَبَدِيَّةَ،وَهذَا سَنَفْعَلُهُ إِنْ أَذِنَ اللهُ.] (عب 6 : 2 ـــ 3) وحينما اضطر الرسول لذكر شئ عن الأسرار ولم يستطيع أن يخوض فى التفاصيل قال [وَأَمَّا الأُمُورُ الْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا.] (1كو11 :34) وتجدون فى كتاب الديداخى (تعليم الرسل) الذى يعود لعام 100 م (الفصول 7 ـــ 10) تتحدث عن المعمودية والصوم والصلاة و وليمة الأغابى وكسر الخبز (الافخارستيا).)  لم يحتجوا على الكتاب المقدس ، فهل هذا صحيح ؟؟؟
إن مؤسس الحركة البروتستانتية (الاحتجاجية فكلمة Protestant مشتقة من الفعل Protest أى يحتج) مارتن لوثر قد شكك فى الكتاب المقدس حينما أعلن رفضه رسالة يعقوب لأنها تنادى بالتبرير بالأعمال (وهذا يخالف ما ينادى به ـــ التبرير بالإيمان) وحتى لا يكون كلامنا بلا دليل فها هو نص كلامه :  
[Therefore St. James’ epistle is really an epistle of straw, compared to these others, for it has nothing of the nature of the gospel about it. But more of this in the other prefaces.] [1]

فهو هنا يصف رسالة يعقوب بأنها رسالة من القش straw مقارنة بالرسائل الآخرى.
[Though this epistle of St. James was rejected by the ancients, I praise it and consider it a good book, because it sets up no doctrines of men but vigorously promulgates the law of God. However, to state my own opinion about it, though without prejudice to anyone, I do not regard it as the writing of an apostle] [2]
وهنا يقول أنه يعتبر رسالة يعقوب كتاب جيد ولكنه لا يعتبره كتاب رسولى.
هذه كانت آراء مؤسس البروتستانتية فى رسالة يعقوب (التى هى جزء من الكتاب المقدس) هذه هى نتيجة رفض سلطة الكنيسة واعتناق سلطة العقل الفردى وحده (أى أن الإنسان يعتمد على عقله وحده فى تحديد الإيمان ، فنحن نلاحظ أنه حتى الكتاب المقدس قد أخضعه لوثر لسلطان عقله فصار يقبل ما يريد أن يقبله ويرفض ما يريد أن يرفضه ، وتلك هى بداية الهرطقة كما يقول القديس يوحنا ذهبى الفم أن الهرطقة هى نتيجة "عقل أصيب بكبرياء فظيع" [3]).
أنا اتفق مع لوثر فى رفضه للسلطة البابوية وعصمة البابا ولكننى أرفض التطرف لدرجة عدم قبول سلطة الكنيسة ذاتها ، يقول القديس أغسطينوس [أما من جهتى فأنا لا أؤمن بالإنجيل إلا كما يوجهه سلطان الكنيسة] [4]
ما نتيجة رفض سلطة الكنيسة سوى زيادة الإنشقاقات والانقسامات داخل الكنيسة حتى وصلت عدد المذاهب البروتستانتية إلى 39000 مذهب بروتستانتى فى العالم يختلفون فى شتى تفاصيل العقيدة والطقس ولكنهم يتفقون على أن الكتاب المقدس وحده يكفى (ولم يأتوا بآية واحدة من الكتاب المقدس تقول بهذا ، لا أعرف كيف يقولون أن الكتاب المقدس يكفى لكل عقيدة وتلك العقيدة نفسها ليس لها مرجع كتابى ؟؟!!! ) [5]  
أننى قد قررت أكتب تلك المقال عندما وجدت بعض من أبناء كنيستى الأرثوذكسية يتركون الآباء والتراث الأرثوذكسى ليذهبون وراء تعاليم ولدت من عقول أفراد منذ قرون ليست بالبعيدة ، لا أعرف كيف للإنسان أن يترك تراثه التى تصل جذوره لأيام المسيح ذاته ، تراثاً عمره ألفى عام ليتبع تراثاً ولد منذ بضعة قرون ؟؟؟!!!

[1]Luther, M. (1999, c1960). Vol. 35: Luther's works, vol. 35 : Word and Sacrament I (J. J. Pelikan, H. C. Oswald & H. T. Lehmann, Ed.). Luther's Works (35:362). Philadelphia: Fortress Press.
[2]Luther, M. (1999, c1960). Vol. 35: Luther's works, vol. 35 : Word and Sacrament I (J. J. Pelikan, H. C. Oswald & H. T. Lehmann, Ed.). Luther's Works (35:395-396). Philadelphia: Fortress Press.
[3] القديس يوحنا ذهبى الفم: الله لا يمكن إدراكه ، ترجمة: القمص مرقوريوس الأنبا بيشوى ،  ج1 ، 47
[4] القس شنودة ماهر: بحث فى التقليد المقدس ، ص 37
[5] راجع بحثنا التقليد المقدس (تجدونه على المدونة)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق